تستحق السلسلة الوثائقية المغربية «أمودّو» التي أوشكت على إطفاء شمعتها العشرين وقفة تأمل خاصة، لا سيما وأنه لم يسبق لبرنامج وثائقي أن عمّر كلّ هذا الوقت في التلفزيون المغربي، فقد استطاع جلب المُشاهد إلى حلقاته المميزة المليئة بالاكتشاف والمغامرة.
أولى الدلالات المستخلصة من هذه التجربة التلفزيونية الناجحة أنها فنّدت المعطى الخاطئ الذي يحاول البعض ترويجه عن الجمهور المغربي، كونه لا يُقبل بالدرجة الأولى سوى على الأعمال الترفيهية، بينما ينأى عن الإنتاجات ذات البعد المعرفي؛ والحال أن أعمالاً وثائقية من قبيل «أمودّو» (كلمة أمازيغية تعني الترحال) تتضمن أيضا جوانب ترفيهية، تعكسها متعة الصورة وجمالية المشاهد الملتقطة وتنوع البيئات التي ينتقل إليها البرنامج.
الدلالة الثانية، أن المغرب يزخر بتنوع تضاريسي وبيئي واجتماعي وحضاري، ما يؤهله ليكون موضوعاً للعديد من البرامج الوثائقية، وليس لبرنامج واحد فحسب. وبالتالي، فقد اشتغل فريق «أمودّو» على هذه المادة الخصبة، وجال في مختلف الأقاليم المغربية، وقدّم رؤية إبداعية شائقة لها، الشيء الذي جعل شهرته تتعدى الحدود الوطنية، وجعله أيضاً يُنجز حلقات أخرى عن مناطق متعددة من العالم.
الدلالة الثالثة تتمثل في أن البرنامج أعاد الاعتبار لجمالية اللغة العربية الفصحى، وأدحض ادّعاء خاطئا يزعم أنها لا تصلح لمخاطبة الجمهور المغربي، وأن هذا الأخير يفضّل العامّية في البرامج التلفزيونية، بالنظر لاستمرار الأمّية في المغرب.
بالعكس، إن فئات عريضة من المغاربة تقبل على البرامج الوثائقية الناطقة باللغة العربية الفصحى، وتتجاوب معها. حصل ذلك مع «أمودّو» كما حصل مع غيره من البرامج في القنوات المحلية ومع «الجزيرة الوثائقية» و»ناشيونال جيوغرافيك عربية».
واللافت للانتباه أن المؤسسة المنتجة للسلسلة الوثائقية ينتمي جل العاملين فيها إلى منطقة «سوس» المغربية (جنوب) وعاصمتها أغادير، وهي منطقة أمازيغية.
وأن يختار أصحاب شركة إنتاج تلفزيوني، متحدثون باللغة الأمازيغية، إنجاز برنامج باللغة العربية الفصحى، فهذا رهان له دلالته القصوى، تؤكد على التلاحم الموجود في المغرب بين اللغتين، وتقدّم جوابا عمليا على ذوي الفكر الضيق والمتعصب الذي يحاول إقصاء لغة الضاد، واعتبارها لغة دخيلة على البلاد، أتت مع «الغزو» العربي، وتكرس ارتباطا مع الشرق. وهو ما يسعى أولئك المتعصبون إلى الفكاك منه، دون أن يتحقق لهم ذلك.
ومن هنا، فهذا البرنامج الذي يستعد للاحتفال بذكرى عشرين سنة على انطلاقته، جدير بالتهنئة، لا سيما وأنه ليس من السهل في السياق المغربي أن تراهن شركة إنتاج خاصة على إنجاز برنامج وثائقي من هذا القبيل من ألفه إلى يائه، اعتمادا على إمكانياتها الذاتية.
26 – أغسطس – 2021
إقرأ من المصدر: القدس العربي